بعد سنوات من الريادة في قطاع السيارات الكهربائية، تواجه شركة تسلا Tesla تحديات متصاعدة في السوق الصينية، التي تُعد الأكبر والأكثر تقدمًا في العالم لهذا القطاع. فقد أظهرت بيانات صادرة عن رابطة سيارات الركاب في الصين China Passenger Car Association أن مبيعات تسلا الإجمالية في السوق الصيني تراجعت بنسبة 21.8% خلال الربع الأول من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في حين أن مبيعات التجزئة ظلت مستقرة تقريبًا دون نمو يُذكر.
هذا الأداء الضعيف لتسلا يتناقض بشكل حاد مع منافستها الصينية الرئيسية BYD، التي سجّلت نموًا قويًا بنسبة 18.8% خلال الفترة نفسها، مما يؤكد التحول في موازين القوى داخل السوق الصينية للسيارات الكهربائية.
ضغط يومي غير مسبوق على مندوبي المبيعات
تحت وطأة هذا التراجع، يعيش مندوبي المبيعات لدى تسلا ضغوطًا شديدة. وقد أفاد عدد من الموظفين العاملين في صالات العرض بأنهم تخلوا عن إجازاتهم الأسبوعية، وأصبحوا يعملون سبعة أيام في الأسبوع، من الساعة التاسعة صباحًا حتى العاشرة مساءً، أي لمدة تقترب من 13 ساعة يوميًا.
أحد المندوبين السابقين عبّر عن تغير الأوضاع قائلًا: “انتهت الأيام التي كنا نستقبل فيها الطلبات تلقائيًا دون جهد كبير، والآن علينا العمل بجهد مضاعف لتعريف العملاء بالمنتجات وإقناعهم بالشراء”. وقد قرر هذا الموظف ترك العمل نهائيًا بسبب ضغط الأداء والبيئة المتطلبة.
ووفقًا لشهادات مندوبي المبيعات في العاصمة الصينية بكين، فإن الإدارة تشترط حاليًا تحقيق ما لا يقل عن مبيعة واحدة يوميًا، بما يعادل نحو 30 سيارة شهريًا لكل مندوب. لكن العديد منهم يواجهون صعوبة كبيرة في إتمام أكثر من ثلاث إلى أربع عمليات بيع أسبوعيًا، رغم تتبعهم المستمر للعملاء المحتملين واستخدام جميع أدوات الإقناع المتاحة.
نسبة دوران عالية ومعايير تقييم صارمة
أدى هذا الضغط إلى ارتفاع غير مسبوق في نسبة دوران الموظفين. ففي أحد فروع تسلا في بكين، يتم استبدال فريق المبيعات بالكامل تقريبًا كل شهر ونصف، بعدما كانت الدورة تمتد إلى ثلاثة أشهر سابقًا.
المندوبون الجدد يخضعون لبرنامج تأهيل صارم يستمر ثلاثة أيام فقط لتعلُّم كامل تفاصيل المنتجات، مع اختبارات يومية في الحفظ والمعلومات. وفي اليوم الرابع يُطلب منهم البدء في إتمام الصفقات الفعلية، وإلا فإنهم يكونون معرضين للفصل الفوري. وأوضح أحد العاملين في القطاع: “هذه الطريقة بمثابة تصفية قاسية، فقط من يستطيع تحقيق المبيعات بسرعة هو من يُسمح له بالبقاء”.
تحديات المنتجات المحدودة ومخاوف العملاء
يرى مراقبون أن من أبرز أسباب تراجع تسلا في الصين هو تأخرها في تجديد تشكيلتها، التي باتت تُعتبر قديمة مقارنة بالابتكارات المتسارعة من شركات صينية مثل BYD. وعلى الرغم من أن تسلا قد أطلقت نسخة محسّنة من طراز موديل Model Y في بداية العام، إلا أنها لم تكن كافية لإعادة تسلا إلى موقعها الريادي السابق.
وفي محاولة لتنشيط الطلب، طرحت الشركة عروضًا تمويلية مغرية على النسخة الجديدة من Model Y، تتضمن تمويلًا بدون فوائد لمدة ثلاث سنوات. لكن حادثًا قاتلًا تورطت فيه إحدى السيارات الكهربائية التابعة للشركة في أوائل أبريل أثار مخاوف جديدة لدى المستهلكين. وقد أشار مندوبي المبيعات إلى أن العملاء باتوا يطرحون أسئلة متكررة حول أزرار الفتح الميكانيكي وسلامة البطارية.
استجابة استراتيجية مرتقبة من تسلا
في ظل هذه التحديات، تتجه تسلا إلى إعادة ترتيب أوراقها. ووفقًا لتقارير صناعية، تعمل فرق الشركة في الصين على تطوير طراز جديد منخفض التكلفة، يُعتبر نسخة اقتصادية من Model Y، وقد يتم طرحه خلال النصف الثاني من العام الجاري إذا لم تحقق النسخة الحالية النتائج المرجوة.
رغم كل العقبات، تبقى السوق الصينية حيوية بالنسبة لتسلا، إذ شكّلت مبيعات التجزئة فيها خلال الربع الأول من عام 2025 نحو 134 ألف و 600 سيارة، وهو ما يعادل ما يقرب من 40% من مبيعات تسلا العالمية. وفي وقت تُواجه فيه الشركة تراجعًا حادًا في أسواق أخرى، مثل ألمانيا التي شهدت انخفاضًا بنسبة 62.2%، تزداد أهمية الحفاظ على موقع تسلا في الصين كجزء أساسي من استراتيجيتها العالمية في المستقبل.
0 تعليق