يبدو سيرهو جيراسي دائمًا، رجل التناقضات الأول والمهاجم الذي يملك مسيرة غريبة بعض الشيء، من خلال البدايات الخجولة قبل التحول إلى رحلة أشبه بالاستثنائية في الملاعب الألمانية والأوروبية خلال الأعوام الأخيرة.
سيرهو، ابن المهاجرين الغينيين، اللذين تركا غينيا قديمًا وهاجرا إلى فرنسا، أملًا في تحسن أوضاع معيشتهما، استقرا في مدينة آرل، التي تقع في إقليم بوش دو رون، ليولد ابنهما الصغير في تلك المدينة، ويعيش طفولته في شوارعها.
مونتاجري المنطقة التي نشأ فيها جيراسي طفلًا ثم لاعبًا، لينتقل إلى أوكسير، إلا أنه لم يثبت نفسه في فترة الناشئين، حيث حصل على فرصة أخرى مع ستاد لافال، الفريق الذي بدأ معه مسيرته بشكل احترافي.
وخلال الفترة من عام 2012 إلى 2016، ارتدى سيرهو جيراسي قميص فرنسا للشباب 24 مرة، مسجلًا 11 هدفًا.
ومع تألقه، أعجب كشافو منتخبات فرنسا للناشئين بموهبة اللاعب وسرعته، ليصبح أحد عناصر الديكة تحت 16 عامًا.
وبعد عامين ونصف العام من عدم ارتداء القميص الأزرق، سمح له أداؤه في دوري الدرجة الثانية بالعودة إلى المنتخب الفرنسي، حيث تم اختياره إلى قائمة تحت 19 عامًا.
ووصل جيراسي مع فرنسا إلى نصف نهائي مسابقة أوروبا للشباب، إذ كان أحد نجوم البطولة في اليونان برفقة بافارد، ومختار دياكابي، وموسى ديمبلي، وغيرهم.
وعلى الرغم من تألقه الكبير مع فرنسا للشباب والناشئين، إلا أن جيراسي لم يجد مكانًا له في تشكيلة المنتخب الأول، خاصة مع وجود أسماء كبيرة، مثل مبابي، وجريزمان، وجيرو، وغيرهم، إضافة إلى تراجع مستوى اللاعب نفسه بعد انتقاله إلى صفوف ليل، ثم أوكسير.
وبعد تألقه بقوة منذ عام 2022، خاصة خلال فترته مع شتوتجارت، توقع البعض اختيار جيراسي ضمن تشكيلة منتخب فرنسا للمرة الأولى، إلا أنه فاجأ الجميع بقراره الخاص، الذي أعلن فيه رغبته في تمثيل غينيا رسميًا، ليُنهي الجدل بصفة نهائية، ويقرر المنافسة في قارة إفريقيا.
وخلال الفترة من 2022 وحتى 2025، سجل جيراسي تسعة أهداف بقميص منتخب غينيا، إلا أنه لا يزال يكافح من أجل وضع اسم بلاده بين كبار القارة السمراء، خاصة في ظل الفوارق الفنية الشاسعة بينهم وبين بقية المنافسين.
وبعيدًا عن مسيرته الدولية، لعبت ألمانيا دورًا محوريًا في إعادة جيراسي من جديد، بعد انتقاله إلى صفوف كولن عام 2016، ليسجل 11 هدفًا بقميص الفريق في 45 مباراة، إلا أنه لم يُقنع مسؤولي كولن على الاحتفاظ به طويلًا، ليعود إلى فرنسا مرة أخرى مع فريق أميان، ثم ستاد رين.
وكان ستاد رين بمثابة نقطة التحول في مسيرة المهاجم، بعد أن سجل 25 هدفًا في 81 مباراة، ويصبح أحد أهم عناصر الهجوم في تشكيلته، لينتقل إلى صفوف شتوتجارت الألماني بنظام الإعارة لمدة موسم واحد.
وعاد جيراسي إلى ألمانيا لينتقم من الجميع، بعد فترة سابقة من الشك برفقة فريق كولن، إذ زادت خبرته، وأصبح لاعبًا أفضل في كل شيء مع شتوتجارت، الذي سجل معه 44 هدفًا في 58 مباراة، وأصبح النجم الأول في تشكيلته، ليتعاقد معه الفريق الألماني نهائيًا مقابل 9 ملايين يورو.
وفي فترته الثانية مع ألمانيا، حاز جيراسي على إعجاب الجميع بلا استثناء، إذ ظهر بشكل المهاجم المتكامل، الذي يسجل من أي زاوية، ومسح تمامًا صورته الباهتة مع فريق كولن، لدرجة أن الموقع الرسمي للاتحاد الألماني وصفه بـ «سوبر ماريو» في إشارة إلى التشابه في طريقة اللعب بينه وبين المهاجم الألماني الشهير ماريو جوميز.
ولم يتغير شيء بالنسبة لجيراسي بعد انتقاله إلى دورتموند، إذ حافظ على عاداته بتسجيل الأهداف، ليحرز 28 هدفًا مع دورتموند، آخرها ثلاثة أهداف «هاتريك» في شباك العملاق الكاتالوني برشلونة، ضمن منافسات إياب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، التي لم تكن كافية لعبور أسود الفستفاليا إلى نصف النهائي، بعد خسارتهم ذهابًا برباعية نظيفة.
ورغم مغادرة جيراسي مسابقة دوري الأبطال رسميًا، إلا أنه لا يزال حاضرًا في سجلات النسخة الجارية، خاصة مع تصدره ترتيب الهدافين برصيد 13 هدفًا، في دليل واضح على تميز المهاجم الإفريقي، وتألقه هذا الموسم.
0 تعليق