أعلنت إدارة ترامب يوم الأربعاء عن اتفاق تاريخي يقضي بتقاسم الولايات المتحدة والإيرادات المستقبلية الناتجة عن احتياطيات أوكرانيا المعدنية، من خلال إنشاء صندوق استثمار مشترك بين البلدين.
جاء هذا الاتفاق ثمرة مفاوضات مطولة وشاقة استمرت أشهراً، في ظل مساعي واشنطن للعب دور الوسيط الحاسم لإنهاء الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات بين أوكرانيا وروسيا.
ويهدف الاتفاق إلى إضفاء طابع شخصي على دور الرئيس ترامب في تحديد مصير أوكرانيا، بينما يسعى لمعالجة مخاوفه بشأن منح كييف تفويضاً مطلقاً لمواجهة الحرب ضد روسيا.
ويمثل هذا التحرك محاولة لإعادة ضبط العلاقات بين واشنطن وكييف، مع ضمان بقاء المصالح الأميركية في صلب أي ترتيبات سياسية أو اقتصادية مستقبلية تخص المنطقة.
- أعلن البيت الأبيض عن توقيع شراكة اقتصادية مع أوكرانيا تتضمن اتفاقية بشأن ملكية واستخراج الموارد الطبيعية من الدولة التي مزقتها الحرب .
- قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت إن الاتفاق، الذي تم إنشاؤه كصندوق استثمار إعادة الإعمار الأميركي الأوكراني، سيسمح للولايات المتحدة "بالاستثمار جنباً إلى جنب مع أوكرانيا" لإطلاق العنان لأصول النمو لديها وتسريع تعافيها الاقتصادي في نهاية المطاف.
- وكما قال الرئيس ترامب، فإن الولايات المتحدة ملتزمة بالمساعدة في إنهاء "هذه الحرب القاسية والعبثية".
ووفق بيسنت "يشير هذا الاتفاق بوضوح إلى روسيا بأن إدارة ترامب ملتزمة بعملية سلام تتمحور حول أوكرانيا حرة وذات سيادة ومزدهرة على المدى الطويل".
وأضاف: "وللتوضيح، لن يُسمح لأي دولة أو شخص قام بتمويل أو توريد آلة الحرب الروسية بالاستفادة من إعادة إعمار أوكرانيا".
كما قدمت وزيرة الاقتصاد الأوكرانية، يوليا سفيريدينكو، مزيدًا من التفاصيل حول صفقة المعادن الموضحة في الاتفاق، مشيرة أولاً في منشور على موقع إكس، إلى أن "الدولة الأوكرانية هي التي تحدد ماذا وأين تستخرج" وأن "باطن الأرض يظل تحت الملكية الأوكرانية".
ونوهت بأن أوكرانيا والولايات المتحدة ستديران صندوق الاستثمار وتحافظان على ملكيته المشتركة، دون أن يكون لأيٍّ منهما صوتٌ مهيمن. وسيتم تمويل الصندوق من خلال تراخيص النفط والغاز والمعادن الأساسية الأوكرانية الجديدة، حيث سيُخصَّص 50% من إجمالي عائدات التراخيص للصندوق.
وأشارت في منشورها إلى أن الولايات المتحدة ستسهم أيضًا في الصندوق، رغم أنه ليس من الواضح على وجه التحديد مقدار المساهمة، بحسب تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية.
من المستفيد؟
من جانبه، يقول الاستاذ بكلية موسكو العليا للاقتصاد، الدكتور رامي القليوبي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- "لا أعتقد بأن هناك مكاسب كبيرة وراء هذا الاتفاق".
- فعلياً، الولايات المتحدة الأميركية لن تستفيد كثيراً من المعادن النادرة الأوكرانية، حيث إن معظم احتياطيات هذه المعادن تقع في مناطق متنازع عليها.
- هذا يعني أن الشركات الأجنبية، سواء كانت أوكرانية أو روسية، لن تخاطر بالاستثمار في هذه المناطق المضطربة.
- من ناحية أخرى، يمكن القول إن الرئيس ترامب نجح في وضع آلية لتحصيل ثمن الدعم المقدم لأوكرانيا خلال حكم بايدن، مما قد يعكس توجهاً استراتيجياً في السياسة الأميركية.
أما بالنسبة لأوكرانيا فيشير إلى أنها "قد تستفيد من إنشاء صندوق يستخدم في إعادة إعمارها في مرحلة ما بعد الحرب، على الرغم من أن الآلية المتعلقة بذلك لا تزال غير واضحة تمامًا حتى الآن."
ويشار إلى أن الاتفاق يأتي بعد أشهر من المفاوضات الشاقة، في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى التوسط لإنهاء حرب أوكرانيا المستمرة منذ ثلاث سنوات مع روسيا.
ويهدف الاتفاق إلى منح الرئيس ترامب مسؤولية شخصية عن مصير البلاد، مع معالجة مخاوفه من أن الولايات المتحدة منحت كييف تفويضا مطلقا لمحاولة التصدي لروسيا، وفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".
أشار التقرير إلى أن إدارة ترامب لم تُقدّم تفاصيل فورية حول الاتفاق، ولم يتضح تأثيره على مستقبل الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا. ونقل عن صرح مصدر مطلع على المفاوضات، تحدث عنها شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله إن الاتفاق النهائي لا يتضمن ضمانات صريحة بمساعدات أمنية أميركية مستقبلية.
وقال آخر إن الولايات المتحدة رفضت هذه الفكرة في بداية العملية. ورغم كل هذه الضجة، لن يكون للاتفاق أي أهمية تُذكر إذا استمر القتال بين أوكرانيا وروسيا.
وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد اقترح على ترامب لأول مرة فكرة منح الولايات المتحدة حصة في المعادن الأوكرانية خلال اجتماع في برج ترامب في سبتمبر الماضي.
ورغم أن الإعلان لم يشر إلى المعادن الأوكرانية، قال متحدث باسم وزارة الخزانة الأميركية إن الاتفاق يشير إلى اتفاقية الموارد الطبيعية التي كانت موضوع مفاوضات.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية ستعمل مع أوكرانيا لوضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل الاتفاق.
ثروات كييف
وبدوره، يقول خبير الشؤون الأوروبية محمد رجائي بركات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية".
- "يُقدّر بعض الخبراء الاقتصاديين أن قيمة الثروات المعدنية والموارد الطبيعية المكتشفة حتى الآن في أوكرانيا تتجاوز 11 تريليون دولار".
- في هذا السياق، تسعى الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب، إلى استعادة جزء من الأموال التي قدمتها لأوكرانيا خلال فترة رئاسة الرئيس بايدن، والتي خُصصت لتسليحها ودعمها مالياً.
- الاتفاقية ستقوم بموجبها الولايات المتحدة بإنشاء صندوق استثماري تُودع فيه الأموال المُحصلة من أوكرانيا، بهدف استخدامها في إعادة إعمارها من جهة، واسترجاع جزء من الدعم المالي الأميركي من جهة أخرى.
ويضيف: "بحسب تقارير عدة، فإن أوكرانيا لا تمتلك في الوقت الراهن الإمكانات الكافية لاستغلال هذه الموارد، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وغياب البنية التحتية اللازمة. ومن هنا، ترى القيادة الأوكرانية أن التعاون مع المستثمرين الأمريكيين سيكون السبيل الأنسب للاستفادة من هذه الثروات الهائلة".
وفي الوقت نفسه، تسعى أوكرانيا إلى إشراك الولايات المتحدة كشريك استراتيجي لحماية استثماراتها وضمان الدفاع عن أراضيها في مواجهة التهديدات الروسية، لا سيما في حال بدأت الشركات الأمريكية باستغلال تلك الثروات.
وينوه بأنه "من الجدير بالذكر أن جزءاً كبيراً من هذه الموارد يقع في المقاطعات الأربع التي ضمتها روسيا خلال الحرب الجارية، ما يطرح تساؤلات مهمة حول موقف موسكو من هذه الاتفاقية.. وهل جرت مفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا حول هذا الملف؟ هذا ما سنعرفه قريبًا، وأعتقد أن الأسبوع المقبل سيكشف بعض الحقائق".
ويشير إلى أن "الاتفاقية تنص صراحة على أن أوكرانيا هي من يحدد مواقع وأنواع المواد التي ستُستغل بالشراكة مع الولايات المتحدة، وتؤكد سيادتها الكاملة على هذه الموارد وعلى أراضيها. ولكن، يبقى السؤال الأهم: هل ستقبل الشركات الأميركية بعدم امتلاك حرية القرار النهائي بشأن هذه الاستثمارات؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة أيضاً."
وفي منشور على تيلغرام ، كتب رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميهال، أن البلدين سيتمتعان بحقوق تصويت متساوية على الصندوق، وأن أوكرانيا ستحتفظ بالسيطرة الكاملة على باطن أرضها وبنيتها التحتية ومواردها الطبيعية. كما أشار إلى أن أرباح صندوق الاستثمار ستُعاد استثمارها في أوكرانيا.
وقال شميهال: "بفضل هذه الاتفاقية، سنكون قادرين على جذب موارد كبيرة لإعادة الإعمار، وبدء النمو الاقتصادي، والحصول على أحدث التقنيات من الشركاء والمستثمر الاستراتيجي في الولايات المتحدة".
0 تعليق