نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سويسرا تقطع شعرة معاوية مع حماس... هل كان الحياد مجرد غطاء؟, اليوم الأربعاء 30 أبريل 2025 09:48 مساءً
أعلنت الحكومة الفيدرالية السويسرية أن حظر حركة حماس والمنظمات المرتبطة بها سيبدأ سريانه رسمياً اعتبارًا من 15 مايو 2025. هذا القرار الذي جاء بعد تصويت ساحق في البرلمان الفيدرالي، يُعد تحولًا جذريًا في موقف سويسرا، الدولة المعروفة تاريخيًا بحيادها ودورها الوسيط في النزاعات العالمية، وخاصة في ملفات الشرق الأوسط المعقدة.
قانون استثنائي لمدة خمس سنوات
الحظر الذي أُقرّ في ديسمبر 2024، يمتد لخمس سنوات قابلة للتجديد، ويُمنح السلطات الفيدرالية صلاحيات غير مسبوقة لمواجهة ما تصفه بتهديدات تمسّ الأمن الوطني والدولي. يتجاوز القرار كونه إجراءً سياسيًا رمزيًا، ليمنح الحكومة أدوات تنفيذية حاسمة، كفرض حظر دخول، أو ترحيل أي فرد يُشتبه في ارتباطه بالحركة أو بأذرعها المنتشرة عبر أوروبا. كما يفتح الباب أمام تعزيز التعاون الاستخباراتي والأمني مع شركاء دوليين لمكافحة تمويل الإرهاب، في لحظة يُنظر فيها إلى الشبكات المالية كقلب نابض لتمدد الحركات المسلحة.
تحوّل تاريخي بعد عقود من الحياد
لطالما تمسكت سويسرا بنهج "الحياد النشط"، محتفظة بعلاقات مع مختلف الأطراف بما فيها حماس، وتؤدي أدوارًا دبلوماسية في وساطات سرية أو معلنة. لكنها اليوم، وبهذا القرار، تنفض يدها من سياسة الحياد المتسامح، وتدخل نادي الدول الأوروبية التي صنّفت حماس منظمة إرهابية.
الشرارة الكبرى كانت هجوم السابع من أكتوبر 2023، الذي شنته حماس على أهداف إسرائيلية وخلّف نحو 1200 قتيل و251 أسيرًا، بينهم مواطنان سويسريان، ما مثّل صدمة عنيفة داخل الأوساط السياسية والشعبية في برن. وفي المقابل، جاءت الردود الإسرائيلية على قطاع غزة بعنف غير مسبوق، أسفرت عن مقتل أكثر من 52 ألف شخص، وفق مصادر طبية فلسطينية. لكن رغم الفاتورة الإنسانية الثقيلة التي تكبّدها الفلسطينيون، فإن المزاج السياسي في سويسرا انقلب لصالح فرض القيود والحظر.
منع استخدام سويسرا كملاذ مالي
لا يقتصر الحظر الجديد على مجرد تجميد نشاطات حماس السياسية أو العلنية، بل يتعداه ليشمل أي منظمة أو جهة يُشتبه في أنها تمثل غطاءً للحركة أو تعمل بتوجيه منها، بما في ذلك المؤسسات الخيرية، والهيئات التعليمية، وأي كيانات قد يُحتمل تورطها في تحويلات مالية تصبّ في خانة دعم نشاطات الحركة.
وتهدف هذه الإجراءات إلى قطع الطريق أمام محاولات استخدام النظام المالي السويسري، المعروف بسرّيته واستقراره، كقناة آمنة للتمويل غير المشروع. وقد باتت هذه المسألة أولوية قصوى لدى الأمن السويسري، في ظل تصاعد المخاوف من اختراقات مالية قد تُستخدم في تعزيز النفوذ الإقليمي للحركة، أو تمويل عمليات مستقبلية تهدد المصالح الغربية.
البرلمان يحسم.. والمعارضة هامشية
ما يزيد من أهمية هذا التحول أن القرار نال دعمًا شبه مطلق من البرلمان، حيث أيده 168 نائبًا، مقابل 6 فقط صوّتوا ضده. هذا التوافق شبه الكامل يعكس إجماعًا سياسيًا نادرًا، ويُظهر أن سويسرا قررت، للمرة الأولى منذ عقود، أن تُجاري التيار الأوروبي الأمني الصاعد الذي يضع الحركات الإسلامية المسلحة في سلة واحدة مع التنظيمات المتطرفة العابرة للحدود.
وماذا عن حزب الله؟
ورغم أن التركيز منصبّ الآن على حماس، فإن التقارير الصادرة عن لجان الأمن القومي تُلمّح إلى احتمالية اتخاذ خطوة مماثلة ضد "حزب الله" اللبناني، الذي يخضع لنقاشات حامية في أروقة البرلمان. وإن تم حظر الحزب، فإن ذلك سيعني دخول سويسرا بشكل كامل في معسكر الدول الغربية المتشددة تجاه محور المقاومة في الشرق الأوسط.
قرار الحظر لا يخلو من تبعات دولية، حيث من المتوقع أن تواجه سويسرا انتقادات من جهات حقوقية ودول قد تعتبر أن القرار يعكس انحيازًا سياسيًا. كما يُرجح أن يتسبب في توتر علاقاتها مع أطراف فاعلة في المنطقة، خصوصًا في ظل استمرار الحرب في غزة والضفة الغربية، وتصاعد الدعوات لوقف التصعيد العسكري الإسرائيلي.
مع ذلك، يبدو أن برن باتت ترى أن كلفة "الحياد التقليدي" لم تعد تحتمل في ظل الواقع الأمني الدولي المتغير، وقد قررت أخيرًا أن تصوغ موقعها من جديد: دولة حيادية في الشكل، ولكن متشددة في الجوهر.
0 تعليق